يَنتَظِرُ الزَّوجانِ قُدومَ طِفلِهما الأوَّلِ كحَدَثٍ مِحوريٍ يُؤثِّرُ في تركيبَةِ الأسرةِ ونَمطِ حياتِها وتَكوينِها، ويَستعدَّانِ لذلكَ الحَدَثِ بأجواءٍ احتفاليَّةٍ مُميَّزةٍ تُسجِّلُ فيها ذاكِرتُهمُ الأبويَّة كلَّ تفاصيلِ ومَشاهدِ ولحظاتِ الحَملِ، ويتَكرَّرُ المَشهَدُ في كلِّ مرَّةٍ تُبشَّرُ الأُسرةُ فيها بحَملٍ جَديدٍ يَبذُلُ فيهِ الزَّوجانِ سُبُلَ الرَّاحةِ والتَّهيئَةِ لاستقبالِ مولودِهمُ الجَديد. إنَّ قُدومَ أيِّ طِفلٍ ذكراً كانَ أم أنثى يعني تغييراً في الأسرةِ وترتيباً جديداً في مُكوِّناتِها وأدوارِها وحتَّى في مَصروفاتِها ونَفقاتِها اليوميَّةِ والشَّهريَّة.[١]
وقَد تَتفاجئُ الأسرةُ بأنَّ وليدَها الذي تَنتَظِرُهُ بِشغافِ القَلبِ وفارِغِ الصَّبرِ غير سليم، فتَنقَلِبُ الفَرحةُ إلى حزنٍ وألمٍ وشُعورٍ بالذَّنبِ، أو استنكارٍ وجفاء. إنَّ ميلادَ الطِّفلِ ذي الاحتياجات الخاصّة يؤدّي إلى استجاباتٍ انفعاليَّةٍ مُتبايِنةٍ لدى الزَّوجينِ والأبناء، وتتأثَّرُ طبيعَةُ استِجابةِ الأبوينِ بِعوامِلَ عديدةٍ، منها نوعُ الإعاقَةِ، ودَرَجتُها، وثقافةُ الأبوينِ، ومُستوى تعليمِهم، والفِئةُ العُمريَّةُ، والحالةُ الماديَّةُ، والنَّظرة الاجتِماعيَّةُ وغيرُ ذلكَ الكثير. وتَتَنوَّعُ استجاباتُ أُسرِ الأطفالِ ذوي الإعاقةِ بينَ الصَّدمةِ والإدراكِ والتقبُّلِ والانسِحابِ الانفِعاليّ، وتَكونُ الأسرةُ حينها في تحتَ تأثيرِ سِلسِلةٍ من الضّغوطِ والتَخبُّطِ، الأمرُ الذي يَستَدعي تدخُّلَ فردٍ من خارجِ الأسرةِ يُرشِدُهم إلى الطُّرُق السَّليمةِ للتَّعاطي مع الحَدَث العائليّ الجَديد، ويُوضِّحُ لهم احتياجاتِ المَرحلةِ وآلياتِ استثمارِها للتّعايشِ معَ المولودِ ودمجِهِ في صفِّ الأسرة.[٢]
الأطفال ذوي الاحتياجات الخاصَّة
ظَهَرَ مُطَلَحُ الاحتياجاتِ الخاصَّة في تِسعينيَّاتِ القرنِ العشرين لِيَحلَّ مَحلَّ الوسمِ (مُعاق) والذي يُعرفُ بِه أولئكَ الذَّينَ ابتلاهمُ الله بِعَجزٍ كُلِّيٍّ أو جُزئيٍّ في القُدراتِ الجَسميَّةِ أو العقليَّةِ نتيجةَ نَقصٍ خَلقيّ، وقدِ استُخدِمَ المُصطلَحُ ذوي الاحتياجاتِ الخاصَّةِ للدّلالةِ على الأشخاصِ أو الأطفالِ الذينَ تَظهرُ لَديهم اختلافاتٍ في القُدراتِ العقليَّةِ، أو الجَسديَّةِ، أو الحِسيَّةِ، أو الخصائِصِ السُّلوكيَّةِ، أو اللغويَّةِ، أو التَّعليميَّةِ تُميِّزُ حامِلَها عن الأطفالِ العاديينَ أو المُتوسِّطين؛ ممّا يعني حاجَةُ هؤلاء لإضافاتٍ خاصَّةٍ تُعينُهم على التّعايُشِ مع واقِعِهم، مثلَ بعضِ البَرامِجِ، أو الأجهزةِ، أو التّعديلاتِ، أو الأدوات، أو الخَدَماتِ التَّربويَّةِ والخَدماتِ المُسانِدَةِ.[٣] [٤]
والطِّفلُ من ذوي الاحتياجاتِ الخاصَّةِ هو الطِّفلُ أو الفرد الذي لا يستطيعُ القيامَ بممارسَةِ بعضِ الأنشِطةِ، ولا يَستطيعُ اكتِسابَ الخبراتِ بالأساليبِ المُتاحةِ للشَّخصِ العاديّ،[٥] ويُفضِّلُ التَّربويُّونَ مُصطَلَحَ الاحتياجاتِ الخاصَّةِ لِرقَّةِ تعبيرِهِ وبُعدِهِ عن تَضمينِ المَضامينِ والمُصطلحاتِ السَّلبيَّةِ المُتمثِّلَةِ بالعَجزِ والإعاقةِ وغيرِها مِنَ المَفاهيمِ المُنفِّرةِ، وتَعني الاحتياجاتُ الخاصَّةُ تمييز فِئةٍ من المُجتَمعِ أو أفرادٍ لهم احتياجاتٌ تختلفُ عن احتياجاتِ باقي المُجتَمعِ لِعوزٍ لَديهم في السُّلوكاتِ أو التَّعليمِ أو النَّشاطاتِ الفِكريَّةِ أو الحركيَّةِ أو غيرِ ذلكَ، ممّا يضطرُّهم للاعتِمادِ على برامِجَ أو أدواتٍ أو أجهزَةٍ أو مُساعِداتٍ لِتلبيَةِ احتياجاتِهم للقيامِ بِوظائِفهم الطَبيعيَّةِ بصورةٍ شِبهَ طبيعيَّة، وتتنوَّعُ الحاجاتُ حَسبَ ظرفِ الحالةِ وطبيعَتِها لِتشمَلَ المُعوَّقينَ، والموهوبينَ، والمرضى، والحوامِلِ، والمُسنِّينَ، وأصحابِ التَشوُّهاتِ الخَلقيَّةِ وغيرِهم ممّن لا يؤدونَ نشاطاتِهم بصورةٍ عاديَّةٍ أو مُتوسِّطةٍ.[٢] [٥] [٣]
فِئات ذوي الاحتياجات الخاصّة
يَختَزِلُ البَعضُ فِئات التَّربيةِ الخاصَّةِ في الأشخاصِ المعوَّقينَ بصورةٍ حصريَّةٍ مُتجاهلينَ العَديدَ من فِئاتِ المُجتَمَعِ التي تَنطبِقُ عليها ظُروفُ الخصوصيَّةِ التَربويَّةِ والتَعليميَّةِ والأدائيَّةِ أو السُّلوكيَّة، ويُمكِنُ اختصارُ فِئاتِ الأفرادِ ذوي الاحتياجاتِ الخاصَّةِ بِثلاثِ فِئاتٍ هي:
الأشخاصُ المُصابونَ بإعاقاتٍ جَسَديَّةٍ أو عَقليَّة: وتتمثَّلُ الإعاقةُ عندَ هذهِ الفِئةِ بوجودِ خللٍ وظيفيٍّ أو قُصورٍ عقليٍّ يترتّبُ عليهِ آثارٌ صحيَّةٌ تمنَعُ المُعاقَ من مُمارسَةِ نشاطاتِهِ الجَسَديَّةِ أو الفِكريَّةِ بصورةٍ طبيعيَّةٍ أو مُتوسِّطة، وتَحولُ بينَهُ وبينَ أدائِهِ التَعليميِّ وقُدرَتِهِ على أداءِ الأعمالِ التي يؤديها الأشخاصُ العاديُّونَ بِنفسِ الدَّرَجة.[٢] [٣] [٤]
المَوهوبون: يُعرَفُ المَوهوبُ بأنَّهُ الفَردُ الذي يُظهِرُ أيّاً من القُدراتِ والاستِعداداتِ الآتيةِ مُنفَرِدةً أو مُجتمِعةً: قُدرَةٌ عَقليَّةٌ عامَّة، استعدادٌ أكاديميٌ خاصّ، تَفكيرٌ إنتاجيٌّ أو إبداعيّ، قُدرةٌ قِياديَّةٌ استِثنائيَّة، استعدادٌ فَنِّيٌ بَصريٌ أو أدائيّ، قُدرَةٌ حِسيَّةٌ حَرَكيَّة. ويَتَّسِمُ الموهوبينَ بِسماتٍ تُميِّزُهُم عن الأشخاصِ العاديّينَ تَتمثَّلُ بِمستوياتِ ذَكاءً مُرتَفِعةٍ، وقُدُراتٍ فَريدةٍ، ومُيولٍ خَصبَةٍ مُتعدِّدةٍ، ومُثابَرةٍ عاليةٍ، ورَغبةٍ شَديدَةٍ في التَفوُّقِ، وثِقةٍ بالنَّفسِ، وتَفاعُلٍ اجتِماعيٍّ.
يَحتاجُ الموهوبونَ بيئاتٍ خاصَّةٍ تَتَبنَّى مواهِبَهُم، وتُحسِّنُ توظيفَ قُدُراتِهِم، وتَستَثمِرُ مُيولَهم ودافِعيَّتِهم لِتنميَتِها بصورةٍ مِثاليَّة، ممَّا يَعني حاجةَ هذهِ البيئَةِ لِظروفٍ خاصَّةٍ استِثنائيَّةٍ تُوظَّفُ فيها البرامِجُ والأدواتُ والعَمليَّاتُ المُسانِدةُ لِرعايَتِهم، وبِذلِكَ فإِنَّ تَضمينَهم بالفِئاتِ الخاصَّةِ أمرٌ منطقيّ.[٤] [٥] [٦]
الأفرادُ غَيرُ العاديّين: يشيعُ استِخدامُ هذا المُصطَلَحِ للتَّعبيرِ عن الأطفالِ الذينَ يُظهِرونَ اختلافاً واضِحاً عن أقرانِهِم في القُدراتِ العَقليَّةِ أو الحِسِّيَّةِ أو التَواصُليَّةِ، وقَد يكونُ هؤلاءِ الأشخاصِ مُدرَجينِ بِفِئَةِ المُعوَّقينَ أو الموهوبينَ أو يَندَرِجونَ بِصورةٍ مُستَقلَّةٍ ضِمنَ الأشخاصِ غيرِ العاديِّينَ بِناءً على طَبيعةِ حالاتِهِمُ الفَرديَّةِ وطبيعةِ اختِلافاتِهم ودَرجاتِها، ويَحتاجُ هؤلاءِ الأشخاصُ بالتَّأكيدِ غلى برامِجَ مُتَقدِّمةٍ لسدِّ احتياجاتِهمُ التَربويَّةِ والتَعليميَّةِ.[٣]
مفهوم التربية الخاصة
نَوعٌ مِنَ التَّعليمِ المُختَصّ في تَعليمِ الأطفالِ ذوي الاحتياجاتِ الخاصَّةِ، يَتَضمَّنُ نَمَطاً مِنَ الخَدَماتِ والبَرامِجِ التَربويَّةِ والتَّعديلاتِ في المَناهِجِ والوَسائِلِ وطُرُقِ التَّعليمِ استجابَةً للحاجاتِ الخاصَّةِ لِمجموعِ الطُّلابِ الذينَ لا يَستطيعونَ مُسايَرَةَ مُتطلَّباتِ بَرامِجِ التَّربِيَةِ العاديَّة، سَواءً أولئِكَ الذينَ يُواجِهونَ صُعوباتٍ تُؤثِّرُ سَلباً في قُدْرَتِهِم على التَعَلُّمِ، أو الأفرادِ ذوي القُدُراتِ والمَواهِبِ المُتَمَيِّزَةِ. ويُلبِّي هذا النَّوعُ مِن التَّعليمِ حاجاتِ الطِّفلِ بأُسلوبٍ يُراعي الفُروقَ الفَرديَّةَ بَينَ الأَطفالِ من حيث دَرَجَةِ الإعاقَةِ، وَتَهدِفُ التَّربِيَةُ الخاصَّةُ إلى مُساعَدَةُ المُتعلِّمينَ على بُلوغِ أقصى ما تَسمَحُ به خاماتُهُم من تَحصيلٍ وتَكيُّف، وقَد يَحدُثُ هذا التَّدريسُ في غُرفَةِ الصَّف العاديةِ أو في أوضاعٍ تعليميَّةٍ خاصَّة.[٧]