ولو كانت هناك طفلة تستحق أن نبكى عليها لكانت بالتأكيد الطفلة عائشة صاحبة العشر سنوات التي مكثت ثلاث ليالٍ بدون ماء ولا طعام محبوسة في بيتها. فبينما كانت تتعلق بأمها والبكاء يسيطر عليها، كانت تدور معركة دامية لتحرير الموصل من قبضة "داعش". وعندما وصلت القوات العراقية لتحرير الموصل، توقفت عائشة عن البكاء وظهر شعور بالراحة على وجهها الجميل، حيث شكرت قوات التحرير وتمنت لو تقبل أقدامهم.
كانت قرية "كفر" التي تقع على بعد 18 ميلا من مدينة الموصل شمال العراق، قد وقعت تحت سيطرة تنظيم "داعش" المتطرف في عام 2014، عندما فرَّت القوات العراقية عندما شن التنظيم هجومه العنيف عليهم. ولكن فريق التحرير وصل أخيرا بعد أيام من الضربات الجوية العنيفة.
والتقطت عدسات الكاميرات لحظة انقاد قوات الشرطة لعائشة، وقد أظهر الصور عائشة وهي تحاول أن تحكي عن مأساتها، حيث عبرت عن امتنانها للقوات العراقية وقالت : "لقد ظننت أنكم لن تأتوا، لقد مكثنا ثلاثة ايام بدون ماء ولا طعام، لقد قتل الإرهابيون أبي وتركوني وحدي مع أمي".
وتابعت عائشة: "لقد أخذ الارهابيون الأطفال من قريتنا وقتلوا بعضهم، كما أخذوا أموال أمي ومجوهراتها ولم يتركوا لنا شيئًا". عندها حملها الجندي على كتفة وقبَّل رأسها وطمأنها، ثم أخذوها مع أمها ألى قرية "القيارة" المجاورة، وبعدها استمر القتال في مكان أخر.
يذكر أن "داعش" دخل الموصل، ثاني أكبر المدن العراقية، في شهر يونيو/حزيران عام 2014، وأرهب أهلها المقدر عددهم بالمليون ونصف مليون نسمة، وأخذوا أطفالهم لتجنيدهم في جيشهم، كما اختطفوا فتياتها للمعاشرة الجنسية، وتوقفت الحياة الطبيعية، وحُرم الأطفال من المدارس، وأجبر أهل المدينة على حبس أنفسهم في بيوتهم.
ولكن بالأمس رأيت دلائل الحياة في المدينة، حيث تتمتع ضفاف نهر دجلة بالاستقرار الذي غاب عنها وهي في قبضة داعش، فيما بدأ سكانها يرجعون إليها ويستصلحون منازلهم للعيش فيها من جديد رغم أثار التدمير في المدينة، ووجدت اللون الأسود يسود المدينة حيث أشعل مقاتلو داعش النار في 13 حقلا للبترول من أجل الانتقام. ولأنهم يتقنون الشر، هاجم داعش مصنعًا كميائيا بالقرب من مشراج وأطلقوا غازات سامة في الهواء، مما تسبب في نشر "الكحة" السعال وأسفر عن مقتل عشرة رجال اختناقًا واصابة اخرين ونقلهم الى المستشفى.