مضت 4 سنوات، على الجدل الذي أثاره فيلم "الصدمة" آنذاك، فعند صدوره، أُعدّ لعرضه في لبنان ودول عربية أخرى، إلا أنّ لبنان امتنع عن ترشيحه إلى جوائز "الأوسكار"، وسحبت رخصة العرض منه في العالم العربي، كما حذفه المهرجان القطري للأفلام من جدوله "علماً أن "مؤسسة الدوحة للأفلام" شاركت بتمويله"، وقررت لجنة المقاطعة في الجامعة العربية منع الفيلم من العرض.
وانقسمت الآراء حينها، بين المؤيد للمخرج زياد دويري، حيث رأوا فيه مبدعاً سينمائياً واعتبروا المنع انتهاكاً لحرية التعبير، وبين من اتّهمه بالتطبيع الثقافي مع العدو الإسرائيلي، وعابوا عليه أن يكون أول لبناني يشرّع الباب واسعاً أمام هذا النوع من التطبيع، وكان دويري قد أمضى سنة كاملة في "تل أبيب" لتصوير فيلم "الصدمة"، مستعيناً بممثلين وتقنيين إسرائيليين لتنفيذ فيلمه المستوحى من رواية الكاتب الجزائري ياسمينة خضرا.
وحمل دويري فيلمه، إلى العديد من المهرجانات العالمية ونال تكريماً واسعاً من ضمنه تكريم "مهرجان القدس السينمائي" الإسرائيلي، أما في لبنان، فخفت الجدل بشأنه مع الوقت، لكنه لم يختف فكان يعود في مناسبات عدة تزامناً مع منع فيلم هنا ومقاطعة نشاط هناك بحجة التطبيع الثقافي مع العدو.
ويستعد لبنان لافتتاح عروض الفيلم بعد أيام قليلة ، وأعلنت وزارة الثقافة التي دعمته منذ البداية وشارك وزيرها بفعاليات مهرجان البندقية إلى جانب دويري ترشيح "قضية رقم 23" إلى جوائز "الأوسكار"، لكن "الصدمة" حصلت في مطار بيروت يوم أمس، وأوقف المخرج اللبناني في مطار بيروت، عائداً من حفلة توزيع الجوائز، حيث تمّ حجز جوازَيْ سفره، اللبناني والفرنسي، بناءً على دعوى بحقه رفعت العام الماضي على خلفية زيارة إسرائيل والتعامل معها، بينما أخلي سبيله تحت شرط الحضور إلى المحكمة العسكرية في اليوم التالي.
وحضر الدويري إلى المحكمة عند التاسعة من صباح الإثنين، وبعد حوالي 3 ساعات من التحقيق، أعلن محاميه أن "زياد خرج من المحكمة العسكرية بإخلاء سبيل ولم توجه له أي تهمة"، معتبراً أن "الموضوع أُعطي أكثر من حجمه"، وإن كان الموضوع قارب خواتيمه القضائية بسلاسة، حسب محامي الدويري، إلا أن مفاعيله السياسية والثقافية، التي طالت الشارع اللبناني مشعلة جدلاً واسعاً لا يبدو أنها ستنتهي قريباً، إذ أعاد الموضوع النقاش بشأن أشكال التطبيع الثقافي وحدوده، واستنسابية القضاء اللبناني والأجهزة الأمنية التي كشفت تصريحات دويري السابقة والحالية العديد من وجوهها، وصولاً إلى حجم الكيدية السياسية في التعامل مع خرق القانون من عدمه، من كان قد احتفى في الأسبوعين الماضيين بالإنجاز اللبناني والوصول إلى العالمية، رأى في توقيف دويري كيدية سياسية، وأحد مظاهر "الدولة البوليسية" التي بدلاً من الاحتفاء بالإبداع واستقباله بالسجاد الأحمر تعمد إلى تكميم الأفواه وحرية التعبير في المقابل، رحب آخرون بهذا التوقيف، وإن اعتبروا أن الدولة أخطأت في الانتظار كل هذا الوقت وفي استنسابية التعامل مع قوانينها، لكن خطأها لا يبرر مهاجمتها على ما حصل الآن، بل ضرورة اعتباره بالحد الأدنى رسالة ضرورية في وجه التطبيع الذي بات يُعتبر "وجهة نظر"..