يحتضن مركز "وايت كيوب" في حي برومندسي في لندن، معرضًا جديدًا للفنان التشكيلي الألماني العملاق أنسلم كيفر، الذي ولد في العام 1945 ويعد أحد أبرز الفنانين الألمان الذين تطرقوا في أعمالهم إلى الحقبة النازية، ويحمل المعرض اسم "والهالا"، وهو الاسم المأخوذ من اسم "فالهالا" أو قاعة المقتولين الموجودة في العالم الآخر التي يذهب إليها من مات في المعارك ويعيشون فيها بسعادة بضيافة الإله أودين حسب الأساطير النوردية، وهو مقتبس أيضًا من الحركة التي أسسها ملك بافاريا لودفيغ في القرن التاسع عشر تكريمًا للشخصيات البطولية في التاريخ الألماني، والتي كانت تعرف كذلك باسم "والهالا".
وعكف كيفر، لأكثر من أربعة عقود، على إنجاز أعمال فنية يعكس فيها تاريخ بلاده المليء بالصراعات والميثولوجيا الألمانية، وفي هذا المعرض يسلط الفنان الألماني الضوء على حضارات شتى مثل الحضارة النوردية والتوتونية، وبمجرد الدخول إلى معرض وايت كيوب ستجد نفسك في غرفة معدنية خافتة الإضاءة، تحتوي على صف مزدوج من أسرة المستشفيات المعدنية مغطاة بأفرشة رصاصية مغبرة، وفي نهاية هذه الغرفة المظلمة الكئيبة، توجد لوحة كبيرة لشخص وحيد يمشي باتجاه منظر طبيعي لكنه مدمر. الشعور العام الذي يعطيه لك كيفر أن الحرب قد خُسرت وأن العالم قد انتهى ولا يوجد ملاذ.
ويصطف على جانبي المعرض غرف مغطاة بالرصاص من الداخل وأبوابها من الرصاص أيضًا، وتحتوي إحدى الغرف على رفوف عالية يوجد عليها كتب مقلوبة من الرصاص، وأسلحة صدأة، وأجزاء من آلات قديمة، وفي إحدى الغرف الرصاصية الأخرى، نجد سريرًا عليه صخرة رصاصية على شكل بيضة لها أجنحة كبيرة، وعادة ما تعتبر صالات العرض الرئيسية في وايت كيوب تحديًا لأي فنان، إلا أن العملاق الألماني قد ملأها بمنحوتات رائعة ومجموعة ساحرة من اللوحات الملحمية.
ويستخدم كيفر الرصاص بكثرة؛ إذ يعتبره المادة الثقيلة الوحيدة التي تتحمل وزن التاريخ الإنساني، وتجمع أعماله دائمًا بين ثنائيتين، أي أن الفرح يختلط دائمًا بالخطر والمأساة، هناك دائما هذه الثنائية، فإذا كانت اللوحة سوداء، سنتمكن من استكشاف مكان ما فيها يحتوي على عنصر المرح، فالعالم بالنسبة إليه هو بمثابة دورات، فهناك دورات إيجابية وأخرى سلبية، الحروب هي إحدى الدورات السلبية دون شك، لكن عملية التدمير تتضمن بداخلها عناصر للخلق.