يمكن لرحلة إلى بحيرة بايكال أن تأخذك في اتجاه "عكس الشيخوخة"، وتجعلك تشعر أنك أصبحت أصغر بسبع سنوات عن عمرك الحقيقي، فهي من أكبر البحيرات العذبة في العالم، بعمق ميل حيث تقول الأسطورة المحلية، أن تلك البحيرة هي المكان المناسب لجعل عقارب الساعة تعود الي الوراء.
ووقفت مارينا، المرشدة السياحية التي صاحبتني، على حصاة تتناثر أمام الشاطئ وغطست في مياه في درجة حرارة 12 درجة لمدة 25 ثانية، ثم خرجت من المياه بوجه مشدوه وأسنان متجمدة، وقالت مارينا عندما رأتني "أنتِ الآن في سيبيريا".
ويوجد هناك قطارًا وحيدًا فاخرًا يقطع الطريق الأسطورية الذي يربط بين موسكو وسيبيريا ومنغوليا وبكين، في رحلة الـ16 يوم في قلب الغابات، والسهول والصحراء والمدن الكبيرة العظيمة، ويعتبر هذا الخط أول خط للسكك الحديدية فتح عبر سيبيريا منذ قرن.
ولهذا جئت هنا للاحتفال بعيد ميلاد واحدًا من أفضل المباني التي صنعها الإنسان على هذا الكوكب، وفكر في بناء هذا المبني القيصر نيقولا الثاني ويتوقف ذلك القطار الفاخر المطرز بالستائر الحمراء والمذهبة، في مواقع مختلفة طوال اليوم، وخلال رحلتك في ذلك القطار الشبيه بقطار فيلم الدكتور زيفاغو، تستمع الي موسيقي كلاسيكية.
وتم اصطحاب مجموعتنا الصغيرة لرؤية الصيف في سيبيريا بأزهاره الكاملة، استمعنا هناك إلى الحفلات الموسيقية الكلاسيكية المنتمية إلى الحقبة السوفيتية، داخل قاعات الحفلات الموسيقية في أولان أودي، وشاهدنا في الأسواق الأسماك السيبيريا والفواكه في نوفوسيبيرسك، وخلال تلك الرحلة سنزور الكاتدرائية، حيث قتل القيصر الأخير وعائلته عام 1917 حيث كانت خدمة الأرثوذكسية مزدهرة في يكاترينبورغ، وستتحطم كل أفكارك المسبقة عن موسكو، أمام موجة هائلة من كرم الضيافة والطعام واللطف، والفودكا والشمبانيا الروسية.
وبالنسبة إلى منغوليا فهي تختلف تمامًا، حيث المناظر الخلابة وأشجار القيقب والجداول يتحدون لصنع صورة بديعة عن الطبيعة التي تزدهر بها التلال الخضراء، والسماء التي لا تراها إلا في المشاهد السينمائية، وستري القري الصغيرة حيث الرجال لا يزالون يركبون الخيل، وكذلك أغلب القرويين يلبسون الثياب المصنوعة من الصوف المنغولي الأبيض.
وعلى الحدود الصينية ستضر إلى تغيير القطار وتركب آخر أقل فخامة منه تعبر به صحراء غوبي، وهي مساحة شاسعة من الأرض الجرداء، لا تري فيها إلا الجمال والرعاة، لذا ستعبر الزمن خلال تلك الرحلة البديعة فبعد معايشتك للهدوء الصيفي في سيبيريا وتزور سهول ووديان منغوليا، ستخرج إلى عالم الحداثة في بكين، تلك المدينة التي يقطنها أكثر من 35 مليون شخص، درجات الحرارة مرتفعة وطرق دائرية التي لا نهاية لها، جو من الطموح والتجديد المتواصل.
وفي اليوم الأخير، نتوجه إلى ممر غايونغ على بعد 35 ميلًا خارج المدينة لتسلق سور الصين العظيم، وربما يكون هذا السور هو البناء الوحيد من صنع الإنسان الذي يتجاوز سيبيريا من حيث الإنجاز البشري.
ولم تكن تلك مجرد رحلة عبر ثلاث دول عظمى، بل إنها رحلة تعبر بك الزمن من القرن 19 إلى القرن ال21 في ما يزيد عن أسبوعين. جدير بالذكر الإشارة إلى ملحوظة كتبها رجل الأعمال الأميركي، هاري دي وينت، الذي سافر عبر سيبيريا منذ أكثر من قرن، قائلًا "كان حقًا قصرًا متنقلًا من الفخامة".