كلما تجولت بين أزقة جزيرة صقلية ومآثرها، تشعر في حركات سكانها وملامحها أن هناك شيئًا يربط هذه الأماكن بك، ربما قد يكون هذا الشيء يعود إلى الموقع الجغرافي لهذه الجزيرة على البحر الأبيض المتوسط، أو ربما يرتبط بعمقها التاريخي الذي يعود في تشكيل هويتها وثقافتها، وهو ما جعلها تصنف "أفضل جزيرة في العالم" من لدن منظمة "كوندي ناست" السياحية.
أجناس مختلفة، تنحدر من اليونان والرومان وأيضًا المسلمون، استوطنت أرض هذه الجزيرة، ويبدو هذا التمازج الأصيل بين الحضارات في صقلية جليًا في معمارها ومبانيها المختلفة، حيث تحولت إلى جزيرة ينصهر فيها الناس على اختلاف أعراقهم بفضل الإسلام الذي جمع السكان الأصليين من إيطاليين وإغريق وفينيقيين ومصريين وتونسيين ثم مزجهم مع النورمان القادمين من البلاد الإسكندنافية، وبعدهم الإسبان والفرنسيون.
قرى في الجزيرة الساحرة
ولا يعرف أحد كيف وصل "موتيبا تشاروتير" إلى جزيرة صقلية الإيطالية، ويوجد له تمثال بطول ستة أقدام يعود تاريخه إلى عام 470 قبل الميلاد، وهو المثال الأقدم على النحت الهادف، كما قال الناقد الفني أندرو غراهام ديكسون، والذي حول الرخام إلى مظهر حسي مثل اللحم والدم، ومع ذلك، لم يُعرض هذا التمثال في معرض لندن أو متحف اللوفر، فقط موجود في متحف صغير في سان بانتاليو، وهي جزيرة صغيرة تقع قبالة الساحل الغربي لصقلية، وتعرف لدى القدماء باسم موتيا، أو موزيا باللغة الإيطالية.
ويعتبر هذا التمثال من بين أحد المفاجآت الواقعة على أقصى يسار جزيرة صقلية، يوجد بها عدد قليل من السكان، والأهم من ذلك تشهد تدفقًا قليلًا في السياح مقارنة بالشرق، حيث تتدفق الحشود في تاورمينا ونوتو، ولكن هنا يتجلى التاريخ النورماني والعربي المتشابك على الجزيرة الجميلة.
مدينة مارسالا تجمع بين الماضي والحاضر
وعلى بعد أقل من 90 دقيقة بالسيارة من مطار باليرمو، تقع مارسالا والتي تمزج بين القديم والجديد، حيث يسكن سكانها في الشقق الحديثة المحيطة بالحياة المدنية ولكن وسط المدنية القديمة، وبجانب ذلك، يوجد ميدان بيازا ديلا ريبوبليكا، وسط المدينة وبها الكاتدرائية المكرسة للقديس"توماس بيكيت"، وتزوج بها ويليام، وهو حاكم جزيرة صقلية من ابنة هنري الثاني، والذي حرض على قتل الكاهن المضطرب.
ولا يعد بيكيت هو القديس الوحيد في مارسالا، ففي كل مرة تمر فيها في شوارع المدينة تجد إشارات للقديسيين، وقبل 90 عامًا، أدرك تاجر ليفربيول، جون وودهاوس، إمكانيات النبيذ الحلو في هذه الجزيرة، وعاد بنبيذها إلى بريطانيا ليجربه الشعب، ومن ثم قرر استيراد الشحنات من إيطاليا، وفي هذه الأيام تحولت بعض مصانع النبيذ في مارسالا إلى فنادق، أو متاحف أثرية مذهلة مثل "Baglio Anselmi".
مدينة تراباني موقع تصوير مسلسل شهير
وعلى بعد 20 ميلًا من مارسالا، توجد مدينة تراباني، والتي كانت موقع تصوير سابق لمسلسل المافيا "مالتا" في سبعينات القرن الماضي، والجزء القديم منها لا يبعد عن الجديد، ويوجد بها برج "توري دي ليغني"، وهو برج مراقبة يعود تاريخه إلى القرن السابع عشر، وتحول إلى متحف أثري، ولمشاهدة غروب الشمس توجه إلى جزر إغادي، ومن ثم العودة إلى كنيسة بورغاتوريو، ورموزها الخشبية المنحوتة في القرن الثامن عشر.
ويمكن تناول الطعام في مارسالا وتراباني، في مطاعم أنيقة للغاية، حيق أوستريا سيسيليانو، وأوستريا سان لورينزو، واللذان يقدمان لحم الإخطبوط وشرائح اللحم، وهناك مطاعم تقدم طعام دول شمال أفريقيا مثل الكسكسي التونسي.
وتطل قرية تراباني على قرية أريكي، والتي تعود إلى القرون الوسطى، وتقع على منحدر يبلغ طوله 2000 قدم، وبها تلفريك يمنحك نظرة جمالية للقرية بأكملها، ويوجد طريق الملح على امتداد الساحل من مارسالا إلى تراباني، وهي أرض منخفضة الملوحة وتنتشر به طواحين الهواء القديمة.
ويوجد محميتان هما " Saline di Trapani e Paceco" و"Riserva dello Stagnone"، تحتويان على طيور الفلامينغو ، وكثبان الرمال البيضاء، ومن ثم التوجه إلى "Riserva dello Stagnone"، وهي نقطة انطلاقة القوارب الصغيرة لتأخذك إلى قرية موزيا القديمة، وهناك ستجرب القهوة الممتازة من مقهى "ماما".