تتميز منطقة سيدي بو سعيد التونسية بإرث تاريخي وحضاري متنوع، يجمع بين الجمال والصفاء، فهي لمسة وفاء لتاريخ حافل وحاضر مجيد، ومزيج بين طبيعة خلابة وعمران يجسد الحضارة، وهي العالم المثالي للسياح في تونس.
وتُعدّ مدينة سيدي بوسعيد، أو المدينة البيضاء، أوّل موقعٍ محميٍّ على مستوى العالم، وقبلة السياحة في البلاد، بسبب موقعها المتميّز، وغناها بالأماكن الأثريّة، وتوافر مقوّمات السياحة الناجحة فيها. وتعود تسميتها إلى وجود ضريح أحد الأولياء الصالحين فيها، وهو أبو سعيد الباجيّ، الذي دُفن في جامع الزاوية في هذه الضاحية، التي حملت اسمه فيما بعد.
وتحتلّ سيدي بوسعيد موقعًا متميزًا بين المدن التونسيّة، كونها تُطلّ على مدينة قرطاج، وذلك عبر منحدرٍ من الصخور، كما تُشرف على خليج تونس، وتبعد مسافةً تقدّر بـ20 كيلومترًا عن العاصمة التونسيّة، وترتفع عن مستوى سطح البحر بمسافةَ 126 مترًا. وتُقدّر مساحتها بـ164 هكتارًا مربعًا.
وتعود نشأة هذه المدينة إلى زمن الفينيقيين، الذين أسّسوا مدينة قرطاج، وكان جبل سيدي بو سعيد يُسمى آنذاك "جبل المنار"، أو "جبل المرسى"، فكان هذا الجبل الحِصن المنيع، والحامية العسكريّة، وبرج المراقبة، والمدافع الأول عن قرطاج وكامل المدن التونسيّة، ثم تحوّل المكان إلى مصيف للعائلات، التي كانت تقصده بهدف الاستمتاع بالطبيعة الساحرة، والمناخ المتميّز، في جوٍّ من الصوفيّة والتأمّل.
وتشتهر هذه المدينة بالعديد من الاحتفالات ذات الطابع الدينيّ، كاحتفال الخرجة، وخرجة سيدي بو سعيد هي إحدى المظاهر الاحتفاليّة في فصل الصيف، وتُمارس فيها طقوسٌ وشعائر خاصّةٌ بأهل المنطقة، الذين يبلغ عددهم نحو خمسة آلاف نسمة، حيث تُشارك فيها ما يُعرف بفرق "العيساوية" الشعبية، التي تقوم باستعراضاتٍ من الرقص الصوفيّ، كالميلوية، على إيقاعاتِ الدفوف، وقَرعِ الطُبول، وتَرديد أهازيجَ وأغانٍ دينيّة، وتلاوة أذكارٍ وقصائدَ خاصّةٍ يتمّ فيها سرد مزايا ومحاسن الوليّ أبو سعيد الباجي، والتبرّك من ضريحه، وَسْطَ صَخبِ زغاريد النساء ورائحة البخور الزكيّة التي تعبق بها الأرجاء. وتوزّع في هذه المناسبة على المحتفلين بعض المأكولات التراثيّة، كالمشموم التونسيّ، والبمبالوني، وتُعتبر الخرجة من أهمّ عوامل الجذب السياحيّ، حيث يُشارك فيها المئات، بل الآلاف من الأشخاص، وهذه الخرجة هي حدثٌ سنويّ ينتظره العديد من الزوار من كل أرجاء تونس، وحتى العرب والأجانب.
وتُعتبر هذه المدينة قبلة السياحة بامتيازٍ، حيث تتميّز بطرازها المعماريّ الخاصّ بها، فغالبية بيوتها ودورها مطليّةٌ باللّون الأبيض، ويغلب على شرفاتها ونوافذها وأبوابها اللون الأزرق بمختلف درّجاته، وتزيّنها زخارفُ وكتاباتٌ ونقوشٌ بديعة، تجعل منها لوحةً فنيّةً قائمةً في حدّ ذاتِها، وأضافت التزيينات النباتيّة، والأشجار، والورود، والرياحين المُنتشرة في أزقّتها سحرًا وجمالاً يأسر الألباب، وما يزيد من سحر ضاحية سيدي بو سعيد هو احتضانها لأشجار التمر والصبار وأزهار الياسمين، لتغدو آية من الجمال تزين الوجه الحضاري لتونس الخضراء.
وتتميز المنطقة بوجود العديد من المرافق السياحيّة، كالفنادق والمطاعم، ولاننسى "القهوة العالية"، التي يقصدها الكثيرون للاستمتاع والاستجمام وتمضية أجمل الأوقات والعطل، حيث لا يمكن لأحد أن يمر قرب سيدي بو سعيد ولا يشرب الشاي بالبندق، أو القهوة العربية.