تعد محافظة "العلا" واحدة من المُدن السعودية الغنية بالآثار، وهي الأبرز في ثرائها، حضارات عتيقة وممالك قديمة.
وكانت ترى في محافظة العلا موطن الاستئناس والحياة والثروات، واليوم تضع هذه المدينة نفسها على عجلة الدوران المنطلق للمستقبل دون توقف.
المحافظة التي تجذب زوارها بفصل شتائها، صنعت لذاتها ربيعًا جعل من جبال العلا محفل الصدى للفنون والطرب وفرصة أن تتراقص هذه المدينة أمام الزائرين بكنوزها وتراثها وما تحويه حياتها اليوم التي تنسج بساطها بألوان من رصيد التاريخ ولمعة الجذب للمستقبل.
منذ أسبوعين، حل أمس ثالثهما، والعلا مهبط السياحة الشتوية السعودية، قوافل من وفود من داخل البلاد وخارجها، حلت في مهرجان "شتاء طنطورة" الذي أبرز قيمة الإنسان في المكان، وحكى تفاصيل المدينة أو المحافظة كما تتسمى بذلك إداريًا، لكن ما هي العلا التي كانت تغيب عن الذاكرة وأصبحت منذ عام ونصف أصلًا في ذاكرة التجديد للإصلاحات السعودية وثقافة الأرض.
وفي جولة سياحية، قام بها نخبة من الفنانين والسياسيين الفرنسيين بالتعرف على مدائن صالح، أحد الأماكن الأثرية المهمة في المملكة العربية السعودية، والمدرجة على قائمة اليونيسكو للتراث العالمي.
وبشغف ممزوج بالانبهار، تأمل الوفد الفرنسي المناطق الأثرية في العلا، واستمعوا لشرحٍ وافٍ عنها من نخبة من المرشدين والمرشدات السعوديين.
وفي المشاهدة، لا أكثر اصفرارًا من تربة العلا، ولا أرض صحراوية وجبال تملك حضارة كما تعتليها العلا، وإن كانت مياهها منبع ثروات زراعية تشبه الأنهار كما تفرز ذلك منابع التاريخ، ظل فيها أهلها، وازدادت مساحة الفرح لديهم بوفود المهرجان.
إضاءات من التاريخ، تقول إن العلا موطن لسلسلة من المواقع التاريخية والأثرية، مثل الخريّبة "دادان في القدم" عاصمة المملكتين الديدانية واللحيانية، وتعتبر واحدة من أكثر المدن تطورا خلال الألفية الأولى قبل الميلاد في الجزيرة العربية، وكذلك آلاف الأمثلة على الفنون الصخرية والنقوش القديمة التي يعود تاريخها إلى الحضارات الآرامية والثمودية والإغريقية واللاتينية، علاوة على محطات سكة حديد الحجاز.
تلك من التاريخ... واليوم لها ألفية جديدة تعيشها في ظل هيئة ملكية تعنى بتطويرها لم يمض على إنشائها سوى عام ونصف، حيث صدر الأمر الملكي من خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز في تموز / يوليو من العام 2017، حيث تقود هذه الهيئة عملية التحديث لها وتحقيق استدامتها لتكون متحف الجذب في فضاء السعودية.
العلا التي غابت في الوهلة الأولى والقدوم عن أذهان زوار مهرجانها "شتاء طنطورة" أصبحت منحوتة التاريخ في ذاكرة تتشكل عن الحضارة السعودية، من رحلتين في الأسبوع إلى مطار يدوم طوال أيامه باستقبال الرحلات من مختلف مناطق السعودية، كل ذلك خلال عام ونصف.
ويتحدث فواز الجهني، أحد أبناء العلا، عن تنمية المكان والإنسان، يقول "إنَّ الإنسان في مدينته أصبح يأخذ "حظه" في طريق العمل من خلال البقاء في المدينة وكذلك القرب من خدمة ضيوف مدينة العلا وتقديم المساعدة لهم وإطلاعهم على الجديد وما تملكه أرض العلا من تاريخ.
مر أسبوعان وشتاء طنطورة محور حديث دائم لدى السعوديين، وتبعه الحديث قبل أيام عند اللبنانيين، وبالأمس كان لدى عدد من الفرنسيين من خلال حضور وفد من عشرات الفرنسيين القادمين من بلادهم ومن يعيش في السعودية لحضور حفل العازف العالمي رينو كابسون، لأنَّ الاستدعاء للحاضر يمر عبر جسور يمدها المهرجان ليعطي الراية التي ترى من بعيد، أن الثقافة السعودية وبالأسلوب الذي تعمل عليه إدارة المهرجان ممثلة بالهيئة الملكية لتطوير العلا، آخذ في العمق.
ويضم مهرجان "شتاء طنطورة" فعاليات تراثية وثقافية وفنية مستوحاة من تراث العُلا، التي تعتبر موطن الآثار في شمال شبه الجزيرة، وملتقى كثير من الحضارات على مر العصور، كما ينظّم المهرجان خلال كل عطلة نهاية أسبوع حفلات فنية متنوعة. "الطنطورة" ذات الاسم الغريب هي على مر العصور تكتسب أهميتها بصفتها نقطة يجتمع عندها أهالي البلدة للاحتفال بموسم الزراعة وبدخول فصل الشتاء، الذي يعود النشاط معه مجددًا في الحقول. وهكذا أصبح الحدث تقليداً سنوياً يجمع أهل المدينة للاحتفال بعودتهم إلى حقولهم وفرصة للابتهاج وتبادل التهاني.
وتعتبر حفلة المطربة ماجدة الرومي هي الحفلة الثانية ضمن حفلات "شتاء طنطورة"، فيما ستشهد الأسابيع المقبلة حفلة للموسيقار المصري عمر خيرت، كما سيشهد "شتاء طنطورة" الحدث المرتقب بإطلالة الفنانة أم كلثوم بتقنية "الهولوغرام"، فيما سيكون الأوبرالي أندريا بوتشيلي حاضراً في الأول من شباط / فبراير.
وتعد منطقة العلا، الغنية بالآثار والمناظر الخلابة في شمال غربي السعودية، إحدى أهم المناطق التي تسعى السعودية عبر الهيئة الملكية للمحافظة لتطويرها لتكون على خارطة السياحة العالمية في وقت تشهد مختلف المناطق داخل البلاد إقامة مهرجانات بحضور دولي بارز.
وعمدت الهيئة على تفعيل الجانب الشعبي وتنشئة كسر القوالب المعتادة لتفعيل الإنجازات، تعمل معه العملية بشكل كبير من خلال القرار السياسي الذي أنشأ الهيئة وجعل مستقر بعض رحلاتهم نحو العلا، يتحدث هكذا كل من يعمل في العلا "الحلم كان مستحيل وكل شيء اليوم جعلنا في محور اهتمام الناس".
وتعمل الهيئة الملكية لمحافظة العلا مع الجهات المعنية لإبراز المدينة الأثرية، واستعادة بريقها العالمي، وحفظ ثرائها التاريخي وإرثها العريق.
وتستضيف محافظة العلا سباق كأس خادم الحرمين الشريفين للقدرة والتحمل، الذي يشهد مشاركة 80 من أفضل الفرسان، ويقام السباق بالشراكة بين الاتحاد السعودي للفروسية والهيئة الملكية لمحافظة العلا، وتتضمن الفعاليات أيضًا جولات لمشاهدة آثار العلا المنحوتة في الصخور وسوق البلدة القديمة التي تتيح التعرف على الحرف اليدوية التي لا تزال تتوارثها الأجيال في العلا.
وتقام أيضًا فعالية العروض الضوئية على مدى سبعة أيام، وهي مستوحاة من الاحتفال التقليدي المتوارث في العلا ببدء موسم الزراعة، وتتزين سماء العلا بمناطيد متنوّعة الرسوم لمشاهدة أفق العلا وروعة التشكيلات الصخرية وإضافة إلى الأنشطة الثقافية والترفيهية والزيارات الميدانية التي سيتم تنظيمها طوال فترة المهرجان
قد يهمك أيضــــــــــــــــًا :