توجد عين عملاقة أعلى تلة عشبية، تحدق بشكل مستمر في قرية صغيرة من قرى بودغوريتسا. إنها واحدة من المعالم التذكارية التي تقع في يوغوسلافيا السابقة، وتتمتع بجمال صارخ يكمن في صمتها، والمناظر الطبيعية الصاخبة المحيطة بها. الأشياء الوحيدة التي تتحرك بجوارها هي فقط قطط المزارع الفضوليين وبعض الأغنام. كنت أتساءل ماذا سيعتقد الغرباء في هذا الشيء الغامض إذا ما هبطوا إلى الأرض؟.
إن المعالم التذكارية أو المباني التذكارية هي منحوتات كبيرة الحجم (أو في بعض الأحيان مباني كاملة، مثل المجمعات الثقافية)، والتي هي نموذج من الفن العام والتي لها معنى واضح - عادة ما تذكرنا بالأحداث خلال الحرب العالمية الثانية. يوجد هذا المعلم التذكاري في بودغوريتسا، على بعد90 دقيقة جنوب شرق زغرب (عاصمة كرواتيا)، هو النصب التذكاري الرسمي لثورة شعب موسلافينا. هذه العين الكبيرة المطلية بالألومنيوم وذات الأجنحة الخراسانية بحجم الحافلة ذات الطابقين هي من عمل الفنان "دوسان دزامونيا". كانت بودغاريتسا منطقة لنشاط البارتيزان المكثف في الأربعينيات، حيث تآمر مقاتلو المقاومة اليوغوسلافية ضد النازيين ومقربيهم، الحكومة الكرواتية الفاشية آنذاك. بعد الحرب، في عهد تيتو، تم بناء العشرات من المعالم التذكارية هذه في أرجاء يوغوسلافيا - على الرغم ، كما يشير الكاتب أوين هاثيرلي، أنه في كثير من الأحيان ليس هو الذي أمر ببنائها، ولكن السكان المحليين بدلا من ذلك هم من أقاموا هذه التماثيل. زار تيتو بودغاريك في عام 1967 لرؤية وافتتاح هذا النصب التذكاري- وهو واحد من أكثر المناصب التذكارية لفتا وشعبية لدي الزوار. حتى أنه في ذلك الوقت تم إنتاج خرائط للمعالم التذكارية وقدمت للسائحين اليوغوسلاف.
أما عن مواقعهم فهي معتدلة ومعزولة. يمكنك الوصول إلى بودغاريتسا عن طريق استئجار سيارة وسلك الطرق الوعرة وغير البارزة،والمشي فوق الطرق غير المعبدة ومن خلال الغابات. إنها مغامرة حقيقية. إن صمت المناظر الطبيعية يستحضر شيئا مما كان يجب أن يكون عليه مثل عودة البارتيزان في الأربعينيات.. انت بحاجة إلى أسبوعين لرؤية كل منهم، ولكن في يوم واحد يمكنك أن ترى أربعة من المعالم التذكارية الرئيسية في كرواتيا.
يوجد في زغرب معلم تذكاري أخر من عمل الفنان "دوسان دزامونيا" في حديقة بجوار ترام دوبرافا المركزي ومحطة الحافلات. هذا العمل البرونزي التكعيبي يحتفل بذكرى ضحايا عمليات القتل التي وقعت في ديسمبر عام 1943، وتم الانتهاء منه في عام 1960. ويقع بجوار مطار زغرب في قرية بليسو معلم تذكاري آخر للفنان ماريجان بورج " الخاتم المكسور" ويعود لعام 1978 – وهو مزيج خراساني من مربع ودائرة منقسمين في الجزء العلوي. والذي يوجد أيضا في حديقة، على الرغم من هذه المرة يوجد هناك لوحة بأسماء مقاتلي المقاومة الذين خربوا المطار، والذي كان قاعدة ألمانية في الحرب، وكذلك خطوط السكك الحديدية والبنية التحتية العسكرية الأخرى المجاورة.
كما يوجد هناك معلم تذكاري يوغوسلافي رئيسي- زهرة "بوجدان بوجدانوفيتش" -البالغة من العمر 51 عاما, هي نصب تذكاري أنيق لآلاف المدنيين الأبرياء الذين لقوا مصرعهم في هذا الموقع، الذي يُعد أحد معسكرات الاعتقال الفاشلة للنظام الفاشي في الأربعينات. كما أن الأبراج الأثرية الموجودة فوق المستنقعات المتكاثرة وساقتها اللطيفة المنعكسة في البحيرة تعد بالتأكيد أعظم شهادة على قوة الروح البشرية، وباقات من الزهور الجديدة المتفتحة التي وضعت داخل زهرة خراسانية تعيد المكان بشكل واضح للحياة.