تحتاج الأوساط الطبية إلى إعطاء مستوى الحالة النفسية للمريض، الذي يرقد على أحد أسرة أجنحة التنويم في المستشفى، مزيدًا من الاهتمام. وصحيح أن طبيب أمراض الكلى أو طبيب العظام أو طبيب القلب يُركّز اهتمامه في العناية بالحالة المرضية العضوية التي يُعاني منها المريض، ويُجري الفحوص اللازمة التي تتعلق بتلك الحالة المرضية التي استدعت إدخال المريض إلى المستشفى لتلقي معالجة طبية، لا يُمكن تقديمها له من خلال العيادة، أو حينما يكون المريض في منزله، وصولاً إلى تهيئة الظروف الصحية لخروج المريض من المستشفى، ولكن يبقى تقييم الحالة النفسية للمريض ومعالجتها شأنًا خارج نطاق تخصص أولئك الأطباء، المتخصصين في الأمراض العضوية، ولكن لو ثبت لهم علميًا أن تدني مستوى الحالة النفسية يُؤثر سلبيًا على نجاح العلاجات التي يُقدمونها للمرض العضوي لدى المريض، هل سيكون تقييم الحالة النفسية جزءًا من الجوانب التي تشملها المعالجة الطبية للمرضى المنومين؟ الإجابة ستكون نعم، لأن الطبيب يحرص على القيام بكل ما من شأنه تسهيل معالجة المريض وتيسير خروجه من المستشفى في حالة صحية جيدة، تُمكنه من إكمال العلاج وهو في منزله.
وتعد حالة الاكتئاب أحد جوانب مستوى الحالة النفسية للمريض المنوم في المستشفى. وفي السادس من يونيو / حزيران الجاري، تضمنت النشرة الإخبارية لمركز "سيدرز سيناي" الطبية في كاليفورنيا عرض نتائج دراسة عن مدى انتشار حالة الاكتئاب بين المرضى المنومين. ومركز "سيدرز سيناي" هو أحد المراكز الطبية الأكاديمية الكبيرة، ذات الأهداف غير الربحية في الولايات المتحدة. وأفاد الباحثون في نتائج دراستهم بأن ثُلث المرضى المنومين لديهم أعراض حالة الاكتئاب، وبأن هذا الأمر يُؤثر بشكل سلبي واضح على المخرجات الإكلينيكية Clinical Outcomes لتقديم الرعاية الطبية لهم في المستشفيات. وخلال الدراسة الطبية الحديثة، راجع الباحثون من قسم الطب النفسي والطب الباطني 20 دراسة طبية سابقة عن تقييم حالة الاكتئاب لدى المرضى المنومين في المستشفيات. وأظهرت نتائج تحليل البيانات أن 33 % من المرضى المنومين في المستشفيات لديهم أعراض حالة الاكتئاب، مثل الشعور بتدني الحالة الصحية والنفسية، والشعور بفقدان الأمل في المستقبل، وتدني مستوى الاهتمام بما يجري حولهم وبحياتهم، وفقدان الشعور بمتعة فعل أي شيء، والمعاناة من اضطرابات في النوم والشهية للأكل. ونُشرت هذه الدراسة سابقًا ضمن عدد فبراير / شباط الماضي لمجلة طب المستشفيات Journal of Hospital Medicine، وعرض الباحثون فيها مزيدًا من التفاصيل، مبينين أن إجراء فحص تقييم الاكتئاب Depression Screening بشكل روتيني هو أمر مهم، وأن هناك عددًا من المستشفيات التي تقوم بذلك.
وذكر الدكتور واغوي ويليام إشاك، الباحث الرئيس في الدراسة، أن المرضى الذين لديهم أعراض الاكتئاب هم أقل تناولاً لأدويتهم وأقل حرصًا على الحضور إلى موعد زيارة الطبيب في العيادة، وهو ما يُؤدي إلى ثلاثة عناصر سلبية في المخرجات الإكلينيكية للرعاية الطبية، وهي أولاً تأخير استعادة العافية وطول فترة النقاهة Delayed Recovery، وثانيًا إطالة مدة البقاء في المستشفى، وثالثًا ارتفاع احتمالات عودة الدخول إلى المستشفى نتيجة انتكاسات صحية بُعيد الخروج منها. وعلق الدكتور إشاك بالقول: "عند الدخول إلى المستشفى يتم فحصهم لجميع أنواع القضايا الطبية، مثل اضطرابات ضغط الدم والكولسترول وسكر الدم، وإضافة فحص تقييم الاكتئاب هو استفادة من فرصة ذهبية لبدء معالجته والاستمرار في ذلك". وأشار إلى أن جميع المرضى البالغين المنومين في "سيدرز سيناي" يخضعون لفحص تقييم الاكتئاب، ويتم إجراؤه من قبل طاقم التمريض خلال أول 24 ساعة للدخول إلى المستشفى. ويتضمن فحص التقييم الأولى للاكتئاب نوعين من الأسئلة عن الحالة المزاجية ومدى الاهتمام بالأنشطة الممتعة، وإذا ما كانت ثمة دلائل على أعراض الاكتئاب في الإجابات عليها، ويتم إجراء استبيان أكثر تفصيلاً عن مستوى الطاقة والتركيز والشهية ونمط النوم، وغيرها من مؤشرات الاكتئاب، والمرضى الذين تبدو عليهم أعراض الاكتئاب يتم الاهتمام بهذا الجانب لديهم من قبل الطاقم الطبي والتمريض وفريق الرعاية النفسية، وهو فريق يشمل الطبيب النفسي والاختصاصي النفسي والممرض النفسي وطاقم الخدمة الاجتماعية النفسية.
وأضاف إشاك قائلاً: "نحن نعلم أن الاكتئاب عامل مؤثر في استعادة المريض لعافيته، ونتائج دراستنا تظهر أن اهتمام المستشفى بتحسين مخرجات تقديمها الرعاية الطبية يتضمن البدء ببرنامج فحص تقييم الاكتئاب". ومما تدل عليه نتائج هذه الدراسة اللافتة للنظر، وطريقة تطبيق اهتمام المستشفيات بحالة المريض النفسية، هو أن ثمة الكثير من الفرص لتحسين مستوى الرعاية الطبية وتحسين مخرجات تلك الرعاية الطبية، وأن أساس تطور نجاح المستشفى هو جعل المريض محل الاهتمام، وذلك من جميع الجوانب، وهو ما يجعل معالجة المريض أكثر نجاحًا. والواقع أن هناك مسارين متوازيين ومتساويين في الأهمية، مسار التطور في العملية العلاجية بكل ما تحتويه من تقنيات متقدمة في التشخيص وأدوية متطورة وتدخلات علاجية وجراحية، ومسار جعل بيئة تلقي الرعاية "بيئة صديقة للمريض" Patient Friendly Environment بشكل أكبر، والاهتمام بالمريض ككيان يشمل الجسم والنفس والظروف الاجتماعية، والتواصل معه ليتفهم حالته الصحية وطريقة معالجته والإجابة على استفساراته، وغيرها من الجوانب التي تجعل بيئة الرعاية في المستشفى بيئة صديقة للمريض. وتقييم الحالة النفسية للمريض، والتعامل معه وفق الاهتمام بتحسين ورفع مستوى التفاعل النفسي لديه، يجعل حرصه على تلقي المعالجة أكبر، وأمله في جدوى تلقيها أعلى، وحرصه على تطبيق نصائح الأطباء وطاقم التمريض أفضل، والأهم إعطاؤه جرعة من الدعم النفسي بعد خروجه من المستشفى لتحسين فرص حرصه على تناول الأدوية، وحضور مواعيد زيارة الطبيب، وإجراء الفحوصات التي يطلبها، وهي كلها أمور تُحسن من مخرجات تقديم الرعاية الطبية.