عادت صناعة الأدوات الخشبية في لبنان، لتزدهر من جديد بعد مضي سنوات على نسيانها، عاندت فيها الاندثار والأفول، لتعيد اليوم مجدها الغابر وتألقها بسبب رغبة الناس اقتناء كل ما هو متين وتراثي في آن، إضافةً إلى رخصها قياسًا على الغلاء الذي طاول المصنوعات المعدنية والبلاستيكية نتيجة ارتفاع أسعار النفط وانعكاسه على الدورة الاقتصادية، والأهم تأثر الناس بالمسلسلات السورية وما يعرض فيها من أدوات منزلية خشبية جميلة تأخذ الألباب..
وينتج الإقبال من تأثر الناس بالمسلسلات السورية التي تعرض على مدار العام ، وفيها يتم تصوير المنازل الدمشقية التراثية وما فيها من أدوات منزلية خشبية جميلة تشجع على اقتناء مثلها، وكثيراً ما حضر إليّ زبائن وهم يحملون صوراً عن هذه الأدوات ويريدون صناعة مثلها، فضلاً عن كثرة انتشار المقاهي الشعبية، حيث باتت هذه الكراسي تزينها، ورغبة ربات المنازل باقتنائها على الشرفات أو الحدائق الخاصة كي تتناسب مع الاستجمام والراحة.
وبعد الطلب المتزايد على هذه الكراسي الخشبية، إلا أن محترفيها باتوا من القلائل، بسبب الركود الذي أصابها وأدى إلى تراجعها أمام «ثورة البلاستيك» في الربع الأخير من القرن الماضي، وعدم إقبال جيل الشباب أو ورثة الحرفة على تعلمها وإتقان صنعتها على اعتبار أنها بالكاد تسد رمق العيش ولا تلبي طموح الكثير من هؤلاء أمام عصر التكنولوجيا والإنترنت.
وتتنوّع الصناعات الخشبية بين أنواع مختلفة من الكراسي الصغيرة والكبيرة والكنبة وكراسي السفرة، وأخرى للاستخدام الخارجي أو الداخلي، فضلاً عن السلات و«الطبليات» وسواها، وجميعها يتداخل فيها الفن مع الصناعة وجودة الخشب وإذ كان بعض الحرفيين يستعينون بين الحين والأخر بـ «النايلون» الملون بدلاً من القش، ويعود هذا الأمر إلى مزاجية المشتري الذي يقرّر قبل التصنيع ماهية طلبه، لكن الأولوية تبقى للقشّ، فقد كان المادة الأولى في صناعاتهم، واستخدم اللبنانيون سابقاً قشا فرنسياً، ثم آخر مستورداً من سنغافورة، بسبب غلاء الأول في صناعة كراسي الخيزران.